Skip to main content

أبرز شعراء وأدباء الأندلس:الرائع ابن زيدون

 

وَمَا الشِّعْرُ إِلاَّ خُطْبَة ٌ مِنْ مُؤَلِّفٍ               بمنطقِ حقٍّ أوْ بمنطقِ باطلِ

العصر الأندلسي هو العصر الذهبي في الأدب الشعري،

فكل ما به هو فنٌ من نوع مختلف وفريد، فلقد تفرد شعراء الأندلس بقصائد ما زالت محتفظة بفخامتها ورونقها الأدبي

حتى يومنا هذا، فالشعر في العصر الأندلسي كان واحدًا من أهم أركان الحضارة العربية، ومع ذلك فقد اتسمت ألفاظها

بالبساطة والوضوح والبلاغة،

ودعونا نتناول في هذا المقال أحد فحولة الشعر في العصر الأندلسي،

الذي أظهر براعة بالغة في فني الشعر والنثر، مخلدًا اسمه كواحدًا من أهم وأبلغ الشعراء،

وأكثرهم دقة في الوصف، وأثراهم في الخيال، وأرهفهم إحساسًا،

إنه ابن زيدون 

الذي وصل من البلاغة ما يجعلك تتلذذ بقراءة أشعاره لما فيها من رقة وعذوبة وبلاغة متناهية، 

حياته:

وُلِدَ في مدينة قرطبة سنة  394هـ واسمه أحمد بن عبد الله بن زيدون،

كان  أبوه فقيه من سلالة بني مخزوم القرشيين،

وجدُّه لأمِه صاحب الأحكام الوزير: أبو بكر محمد ابن محمد بن إبراهيم - صاحب الأحكام تعني أنه اشتغل بالفقه

والقضاء- مرابن زيدون في حياته بثلاث تجارب كان أثرها جليًا في تنوع أشعاره بشكل واضح وعميق،

حيث أنها كانت بمثابة مصادر إلهامه لجميع المواضيع التي تناولها في شعره:

كانت تجربته الأولى هي حبه وولعه بولاّدة بنت المستكفي 

كانت ولادة بنت المستكفي بمثابة فراشة العصر الأندلسي، فقد كانت شاعرة على قدر عالي من الثقافة،

ولها بقرطبة مجلسٌ أدبي يضم عدد كبير من المثقفين والشعراء بذلك العصر،

كان عشقه وهيامه بها دور كبير في إكساب نفسه شاعرية خصبة تُرجمت إلى شعر غاية في الرقة والإبداع والبلاغة،

فتنوع شعره ما بين عدد من المشاعر كالشكوى، والحنين، والعتاب والهجر، وكل ما يكنه صدره من المشاعر.

فمن شعره في الغزل فقد قال:

 أَمَولايَ بُلِّغتَ أَقصى الأَمَل          وَسُوِّغتَ دَأباً نَساءَ الأَجَل

وَعُمِّرتَ ما شِئتَ في دَولَةٍ           تُقَصِّرُ عَنها طِوالُ الدُوَل

    فَأَنتَ الَّذي غُرُّ أَفعالِهِ                 تَحَلّى بِها الدَهرُ بَعدَ العَطَل

وقد قال معاتبًا:

أيوحشني الزمان وأنت أنسي

 ويظلم لي النهارُ وأنت شمسي

ولما هجرته محبوبته وأسيرة قلبه قال:

يا نازحًا وضميرُ القلب مثواهُ

 أنسَتْكَ دنياك عبدًا أنت دنياهُ

وعندما اشتد عليه الشوق والحنين أبلغَ فقال:

متى أبثّكِ ما بي يا راحتي وعذابي

 متى ينوبُ لساني في شرحه عن كتابي


ولابن زيدون واحدة من أشهر البكائيات في تاريخ الشعر العربي، وهي قصيدة: أضحى التنائي

البكاء: قصيدة (أضحى التنائي) هي من أشهر البكائيات في الشعر العربي، وهي التي جعلته أشهر شعراء الغزل

في عصره،  التي اعتصر قلبه فيها من الأسى والألم على فراق حبيبته ولادة، وانقطاع وصاله بها، 

فقد استهل القصيدة قائلًا:


أضحى التنائي بديلاً من تدانينا  

وناب عن طيب لقيانا تجافينا


أما عن تجربة ابن زيدون الثانيه فقد كانت عندما سُجن في عصر أبي الحزم بن جهور،

حيث وُلد من هذه المعاناة عدد كبير من أبيات الشعر التي دارت حول الاستعطاف تارة والعتاب تارة أخرى،

فعندما طالت معاناته وفترة نكوثه في السجن بدون ذنب بَين، وما كان السبب سوى وشايات ودسائس قال:

لـم تَطْـــــــــــــــــــــوِ بُـردَ شبابي كبرةٌ، وأرى           برق المشيب اعتلى في عارض الشـــــعـر

قبـل الثلاثيــن، إذ عهــد الصبا كثَــــــــــــــــبٌ            وللشـبيبـة غصــــــــــــــنٌ غيـر مهتصـــرِ

 إن طال في السـجن إيداعي،فلاعجـــــــــــــــبٌ           قــــــــــــد يودَع الجفنَ حـدُّ الصـارم الذكَـرِ

وإن يثــبّـــــط أبــا الحـــــزم الرّضـــى قـــــدَرٌ            عــن كشـــف ضُرّي، فلا عتبٌ على القـدَرِ

مــا للذنـوب التي جـاني كبـــــــــــــــــــــــائرها        غـــــــــــــيري، يحمّـلني أوزارهـا وَزَرِي ؟


أما تجربته الثالثة فقد كان السبب فيها هو قربه من الحكام نظرًا لتوصيفه وزيرًا وسفيرًا في دولته،

فجعلته هذه التجربة ينظم ولأول مرة عددًا من أشعار المديح لأولي الأمر،

وعلى الجانب الآخر أشعارًا في الهجاء للأعداء،فمما قال ابن زيدون مادحًا ابن عباد وابن جهور وغيرهما من الأمراء:

ونهجك سبل الرُّشدِ في قمع منْ غوى

 وعدْلك في استئصال مَن جار واعتدى


الجدير بالذكر أن شعر ابن زيدون تعددت أغراضه الشعرية منها ما سبق ووضحناه مسبقًا في تجاربه، ومنها الآتي:

  • الإخوانيات: 

تنوعت مواضيع قصائد الإخوانيات عند ابن زيدون ما بين عتاب واعتذار أو شكر وكان منها الدعابة أيضًا

مثل ما قاله وهو يمازح أبا عبدالله البطليوسي:

 أصِخْ لمقالتي.. واسمعْ 

وخذ فيما ترى.. أو دع

 وأَقْصِرْ بعدها أو زِدْ

 وطِرْ في إثرها أو قَع

  • الرثاء: 

كان لابن زيدون من البلاغة ما جعله ينظم شعرًا في الرثاء مخلوطًا بالمديح ويظهر ذلك في:

هو الدهرُ فاصبر للذي أحدث الدهرُ 

فمن شيم الأبرار -في مثلها- الصبرُ

- الحبسيات: 

تنوعت مواضيع قصائد الحبسيات عند ابن زيدون أيضًا فكان منها الغزل والحنين وكان منها المديح أيضًا،

والعامل المشترك بينهم هو تجربته الأليمة في السجن ورغبتة الشديدة في الخروج منه،

فلقد استهل إحدى القصائد التي كتبها في تلك الفترة بأبيات من الغزل، قائلًا:

ما جال بعدكِ لحظي في سنا القمر         إلا ذكرتُك ذِكْر العين بالأثر

- الخمريات: 

لا يوجد له سوى ثلاثة مقاطع في الخمريات، ذلك لأنه بدأ حياته في قصور

ابن جهور والذي لم يكن من شاربي الخمر، كما أن هجر حبيبته له جعله ينشغل بمعاناته وآلامه الخاصة،

منصرفًا عن متع الحياة وترفها ولهوها،

فقد وصف ابن زيدون إحدى الليالي المبهجة التي قضاها في حدائق إشبيلية،

شاربًا كؤوس الخمر مع صُحبته فقال:

 وليلٍ أَدْمنا فيه شُرْبَ مدامةٍ 

إلى أن بدا للصبح -في الليل- تأشيرُ

 وجاءت نجوم الصبح تضربُ في الدُّوجى

فولت نجومُ الليل والليلُ مقهور


- المطيرات: 

هو من ابتكار ابن زيدون ومات بموته،

هو نوع من النظم كان قائمًا على الألغاز والأحاجي حول أنواع الطيور،

ومفتاح الحل يكون في بيت أو بيتين من القصيدة، بحيث يشير كل حرف إلى طائر من الطيور،

ولأنه لم يستهو الشعراء هذا النوع من الفن فقد اقتصر فقط على ابن زيدون.


وختامًا، لقد بلغ ابن زيدون ما لم يبلغه شاعر من قبله في الشهرة والمناصب، فقد كان وزيرًا مُعظمًا،

وحبيبًا مخلصًا، وسجينًا معتد بنفسه وكرامته، وصابرًا جالدًا على معاناته، كان الشاعر المبدع، والكاتب النثري البليغ، فلقد أبدع وأبلغ في كلاهما الشعر والنثر وهذا نادرًا ما نجده مجتمعًا في إنسان واحد، إضافةً لكل ذلك فقد كان أدب ابن زيدون انعكاسًا صادقًا، دقيقًا، وواضحًا لأدب العصر الذي عاش وكتب فيه، ولرحلة حياته المتقلبة في عدد من مراحلها،

هذا ابن زيدون الذي تمتع على الجانب الشخصي بسرعة البديهة،

وعرف بقوة ذلاقته وحسن الروية، وإبداعه في التعبير عما يجول بخاطره وتكنه نفسه،

لقد رسمت حياته صورة لأكثر العصور إثارة في تاريخ الأندلس وهو عصر ملوك الطوائف.


بقلم\ هدير أشرف

Comments

Popular posts from this blog

Exploring the Future of Real Estate in the United Arab Emirates

  The United Arab Emirates (UAE) is known for its booming real estate market, with Dubai and Abu Dhabi as two of the most attractive destinations for real estate investment. The real estate sector in the UAE is constantly evolving, and the future looks promising for both investors and buyers. One of the key trends shaping the real estate future in the UAE is the increasing demand for sustainable and eco-friendly developments. As more people become aware of the importance of protecting the environment, developers are now focusing on building projects that are energy-efficient and have a low carbon footprint. This is expected to become a major driver for the real estate market in the UAE in the coming years. Another trend that is shaping the real estate future in the UAE is the growing use of technology in the industry. From virtual reality tours to online property portals, technology is playing an increasingly important role in how real estate is marketed, sold, and managed. This is...

Lunar New Year Traditions and Customs: A Look into East Asian Cultures

  Lunar New Year, also known as Chinese New Year, is a traditional holiday that is celebrated by many East Asian cultures, including those in China, Taiwan, Vietnam, and others. The holiday is based on the lunar calendar, and typically falls between January and February. It is a time for families to come together, share meals, exchange gifts, and participate in various cultural activities. One of the most important traditions during Lunar New Year is the reunion dinner, where families gather to share a meal and celebrate the new year. This is often considered the most important meal of the year, and many families make a special effort to ensure that all members can attend. Reunion dinner is usually a grand feast that involves a variety of dishes, including traditional delicacies such as dumplings, fish, and sticky rice cakes. The reunion dinner is an opportunity for families to bond and catch up with each other, and it is a time to express gratitude for the past year and to look fo...

Empathy in Action: Building Stronger Connections with Your Children

  As a parent, one of the most important things you can do is communicate effectively with your children. But it’s not always easy to know how to do that. Whether you’re trying to teach them a new skill, resolve a conflict, or simply have a conversation, communication can be challenging. But with a little bit of effort and some key strategies, you can improve your communication skills and build stronger connections with your children. One of the most important strategies for effective communication with children is empathy. It is all about understanding and valuing another person’s perspective. When you can see things from your child’s point of view, you’ll be better equipped to understand their needs and feelings. This can help you respond to them in a way that is more supportive and understanding. And when you can communicate empathically with your kids, you’ll be able to build stronger connections with them. In this article, we’re going to take a closer look at empathy and how i...